فصل: الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآية:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
ومن الإسرائيليات المكذوبة التي لا توافق عقلا ولا نقلا: ما ذكر ابن جرير في تفسيره، وصاحب: الدر المنثور وغيرهما من المفسرين في قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّه} فقد ذكروا في هم يوسف عليه الصلاة والسلام ما ينافي عصمة الأنبياء وما يخجل القلم من تسطيره، لولا أن المقام مقام بيان وتحذير من الكذب على الله وعلى رسله، وهو من أوجب الواجبات على أهل العلم.
فقد رووا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هم يوسف عليه السلام ما بلغ؟ قال: حل الهميان-يعني السراويل- وجلس منها مجلس الخائن، فصيح به: يا يوسف: لا تكن كالطير له ريش، فإن زنى قعد ليس له ريش، ورووا مثل هذا عن على رضي الله عنه وعن مجاهد وعن سعيد بن جبير.
ورووا أيضا في البرهان الذي رآه، ولولاه لوقع في الفاحشة بأنه نودي: أنت مكتوب في الأنبياء، وتعمل عمل السفهاء وقيل: رأى صورة أبيه يعقوب في الحائط، وقيل: في سقف الحجرة وأنه رآه على إبهامه، وأنه لم يتعظ بالنداء، حتى رأى أباه على هذه الحال، بل أسرف واضعو هذه الإسرائيليات الباطلة، فزعموا أنه لما لم يرعوِ من رؤية صورة أبيه عاضا على أصابعه، ضربه أبوه يعقوب، فخرجت شهوته من أنامله، ولأجل أن يؤيد هؤلاء الذين افتروا على الله ونبيه يوسف هذا الافتراء، يزعمون أيضا أن كل أبناء يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولدا ما عدا يوسف، فإنه نقص بتلك الشهوة التي خرجت من أنامله ولدا، فلم يولد له غير أحد عشر ولدا، بل زعموا أيضا في تفسير البرهان، فما روي عن ابن عباس أنه رأى ثلاث آيات من كتاب الله: قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ} وقوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيه}، وقوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} وقيل: رأي: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}!!، ومن البديهي أن هذه الآيات بهذا اللفظ العربي لم تنزل على أحد قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان الذين افتروا هذا لا يعدمون جوابا، بأن يقولوا: رأى ما يدل على معاني هذا الآيات بلغتهم التي يعرفونها، بل قيل في البرهان: إنه أري تمثال الملك، وهو العزيز، وقيل خياله، وكل ذلك مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وأكاذيبهم التي افتجروها على الله وعلى رسله، وحمله إلى بعض الصحابة والتابعين: كعب الأحبار ووهب بن منبه، وأمثالهما.
وليس أدل على هذا: مما روي عن وهب بن منبه قال: لما خلا يوسف، وامرأة العزيز، خرجت كف بلا جسد بينهما، مكتوب عليها بالعبرانية: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَت}، ثم انصرفت الكف، وقاما مقامهما، ثم رجعت الكف بينهما، مكتوب عليها بالعبرانية: {إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}، ثم انصرفت الكف، وقاما مقامهما، فعادت الكف الثالثة مكتوب عليها: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} وانصرفت الكف، وقاما مقامهما فعادت الكف الرابعة مكتوب عليها بالعبرانية: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}، فولَّى يوسف عليه السلام هاربا.
وقد كان وهب أو من نقل عنه وهب ذكيًّا بارعًا حينما زعم أن ذلك كان مكتوبا بالعبرانية، وبذلك أجاب عما استشكلته، ولكن مع هذا لن يجوز هذا الكذب إلا على الأغرار والسذج من أهل العلم ولا أدرى أي معنى يبقى للعصمة بعد أن جلس بين فخذيها، وخلع سرواله؟! وما امتناعه عن الزنا عن مروياتهم المفتراة إلا وهو مقهور مغلوب؟!
ولو أن عربيدا رأى صورة أبيه بعد مماته تحذره من معصية لكف عنها، وانزجر، فأي فضل ليوسف إذًا، وهو نبي من سلالة أنبياء؟!!
ثم ما هذا الاضطراب الفاحش في الروايات؟! أليس الاضطراب الذي لا يمكن التوفيق بينه كهذا من العلل التي رد المحدثون بسببها الكثير من المرويات؟! لأنه أمارة من أمارات الكذب والاختلاق، والباطل لجلج، وأما الحق فهو أبلج.
ثم كيف يتفق ما حيك حول نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام وقول الحق تبارك عقب ذكر الهم: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين}، فهل يستحق هذا الثناء من حل التكة، وخلع السروال، وجلس بين رجليها؟! ولا أدرى أنصدق الله تبارك وتعالى، أم نصدق كذبة بني إسرائيل ومخرفيهم؟!!
بل كيف يتفق ما روى هو وما حكاه الله عز وجل عن زليخا بطلة المراودة، حيث قالت: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين}2 وهو اعتراف صريح للبطلة التي أعيتها الحيل عن طريق التزين حينا، والتودد إليه بمعسول القول، حينا آخر، والإرهاب والتخويف حينا ثالثا، فلم تفلح: {لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِين}، وانظر ماذا كان جواب السيد العفيف، الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم صلوات الله وسلامه: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وقصده عليه السلام بقوله: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُن}: تبرؤ من الحول والطول، وأن الحول والقوة إنما هما من الله، وسؤال منه لربه، واستعانة به على أن يصرف عنه كيدهن، وهكذا: شأن الأنبياء.
بل قد شهد الشيطان نفسه ليوسف عليه السلام في ضمن قوله كما حكاه الله سبحانه عنه بقوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين} ويوسف بشهادة الحق السالفة من المخلصين.
وكذلك شهد ليوسف شاهد من أهلها، فقال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم}، وقد أسفر التحقيق عن براءة يوسف وإدانة زليخا: امرأة العزيز.
فكيف تتفق كل هذه الشهادات الناصعة الصادقة، وتلك الروايات المزورة؟!! وقد ذكر الكثير من هذه الروايات ابن جرير الطبري، والثعلبي، والبغوي، وابن كثير، والسيوطي، وقد مر بها ابن كثير بعد أن نقلها حاكيا من غير أن ينبه إلى زيفها، وهو الناقد البصير!!
ومن العجيب حقا: أن الإمام ابن جرير على جلالة قدره يحاول أن يضعف في تفسيره مذهب الخلف الذين ينفون هذا الزور والبهتان، ويفسرون الآيات على حسب ما تقتضيه اللغة، وقواعد الشرع، وما جاء في القرآن والسنة الصحيحة الثابتة، ويعتبر هذا المرويات التي سُقْتُ لك زروًا منها آنفا، هي: قول جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين يؤخذ عنهم!!! وكذلك تابعه على مقالته تلك الثعلبي والبغوي في تفسيريهما!!
وهذا المرويات الغثة المكذوبة التي يأباها النظم الكريم، ويجزم العقل والنقل باستحالتها على الأنبياء عليهم السلام هي التي اعتبرها الطبري ومن تبعه أقوال السلف!!
بل يسير في خط اعتبار هذا المرويات، فيورد على نفسه سؤالا فيقول: فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا وهو لله نبي؟! ثم أجاب بما لا طائل تحته، ولا يليق بمقام الأنبياء قاله الواحدى في تفسيره: البسيط.
وأعجب من ذلك: ما ذهب إليه الواحدي في: البسيط قال: قال المفسرون الموثوق بعلمهم، المرجوع إلى روايتهم، الآخذون للتأويل، عمن شاهدوا التنزيل: هَمَّ يوسف عليه السلام بهذه المرأة هما صحيحا وجلس منها مجلس الرجل من المرأة، فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة منه.
وهي غفلة شديدة من هؤلاء الأئمة لا نرضاها، ولولا أني أنزه لساني وقلمي عن الهجر من القول، وأنهم خلطوا في مؤلفاتهم عملا صالحا وآخر سيئا لقسوت عليهم، وحق لي هذا، لكني أسأل الله لي ولهم العفو والمغفرة.
وهذه الأقوال التي أسرف في ذكرها هؤلاء المفسرون: إما إسرائيليات وخرافات وضعها زنادقة أهل الكتاب القدماء، الذي أرادوا بها النيل من الأنبياء والمرسلين، ثم حملها معهم أهل الكتاب الذين أسلموا وتلقاها عنهم بعض الصحابة، والتابعين، بحسن نية، أو اعتمادا على ظهور كذبها وزيفها.
وإما أن تكون مدسوسة على هؤلاء الأئمة، دسها عليهم أعداء الأديان، كي تروج تحت هذا الستار، وبذلك يصلون إلى ما يريدون من إفساد العقائد، وتعكير صفو الثقافة الإسلامية الأصيلة الصحيحة، وهذا ما أميل إليه!. اهـ.
ثم قال الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله:
التفسير الصحيح لقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} والصحيح في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّه} أن الكلام تم عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِه} وليس من شك في أن همها كان بقصد الفاحشة،: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ}.
الكلام من قبيل التقديم والتأخير، والتقدير: ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، فقوله تعالى: {وهم بها}، جواب {لولا} مقدم عليها ومعروف في العربية أن {لولا} حرف امتناع لوجود، أي: امتناع الجواب لوجود الشرط، فيكون الهم ممتنعا لوجود البرهان الذي ركزه الله في فطرته، والمقدم إما الجواب، أو دليله على الخلاف في هذا بين النحويين، والمراد بالبرهان: هو حجة الله الباهرة الدالة على قبح الزنا وهو شيء مركوز في فطر الأنبياء، ومعرفة ذلك عندهم وصل إلى عين اليقين، وهو ما نعبر عنه بالعصمة، وهي التي تحول بين الأنبياء والمرسلين وبين وقوعهم في المعصية، ويرحم الله الإمام: جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما حيث قال: البرهان: النبوة التي أودعها الله في صدره، حالت بينه وبين ما يسخط الله عز وجل.
وهذا هو القول الجزل الذي يوافق ما دل عليه العقل من عصمة الأنبياء، ويدعو إليه السابق واللاحق، وأما كون جواب لولا لا يجوز أن يتقدم عليها فهذا أمر ليس ذا خطر، حتى نعدل عن هذا الرأي الصواب، إلى التفسيرات الأخرى الباطلة، لهم يوسف عليه السلام والقرآن هو أصل اللغة، فورود أي أسلوب في القرآن يكفي في كونه أسلوبا عربيا فصيحًا، وفي تأصيل أي قاعدة من القواعد النحوية فلا يجوز لأجل الأخذ بقاعدة نحوية أن نقع في محظور لا يليق بالأنبياء كهذا.
وقد قال الإمام الآلوسي في تفسيره في الرد على المبرد في تشنيعه على قراءة حمزة-أحد القراء السبعة- في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ}1 بجر لفظ الأرحام عطفا على الضمير المجرور من غير إعادة حرف الجر، وهو أحد القراء السبعة الذين قال أساطين الدين: إن قراءتهم متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا، لم يقرأ به وحده، بل قرأ به جماعة من غير السبعة، كابن مسعود، وابن عباس، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وقتادة ومجاهد وغيرهم كما نقله ابن يعيش فالتشنيع على هذا الإمام في غاية الشناعة، ونهاية الجسارة والبشاعة وربما يخشى منه الكفر، وما ذكر من امتناع العطف على الضمير المجرور، هو مذهب البصريين، ولسنا متعبدين باتباعهم، وقد أطال أبو حيان في البحر الكلام في الرد عليهم، وادعى أن ما ذهبوا إليه غير صحيح، بل الصحيح ما ذهب إليه الكوفيون من الجواز، وورد ذلك في لسان العرب نثرا ونظما، وإلى ذلك ذهب ابن مالك.
وقيل: إن ما حصل من هَمِّ يوسف كان خطرة، وحديث نفس بمقتضى الفطرة البشرية، ولم يستقر، ولم يظهر له أثره، قال البغوي في تفسيره: قال بعض أهل الحقائق: الهَمُّ هَمَّان: همٌّ ثابت، وهو إذا كان معه عزم، وعقد، ورضا، مثل هم امرأة العزيز، والعبد مأخوذ به، وهمٌّ عارض، وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار، ولا عزم مثل هم يوسف عليه السلام والعبد غير مأخوذ به، ما لم يتكلم به أو يعمل، وقيل: همت به هم شهوة وقصد للفاحشة، وهم هو يضربها، ولا أدري كيف يتفق هذا القول وقوله تعالى: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّه}.
والقول الجزل الفحل هو ما ذكرناه أولا، والسر في إظهاره في هذا الأسلوب والله أعلم: تصوير المشهد المثير المغرى العرم، الذي هيأته امرأة العزيز لنبي الله يوسف، وأنه لولا عصمة الله له، وفطرته النبوية الزكية، لكانت الاستجابة لها، والهم بها أمرا محققا، وفي هذا تكريم ليوسف، وشهادة له بالعفة البالغة، والطهارة الفائقة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}
اعلم أن هذه الآية من المهمات التي يجب الاعتناء بالبحث عنها وفي هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى:
في أنه عليه السلام هل صدر عنه ذنب أم لا؟ وفي هذه المسألة قولان: الأول: أن يوسف عليه السلام هم بالفاحشة.
قال الواحدي في كتاب البسيط قال المفسرون: الموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم هم يوسف أيضًا بهذه المرأة هما صحيحًا وجلس منها مجلس الرجل من المرأة، فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة عنه. قال جعفر الصادق رضي الله عنه بإسناده عن علي عليه السلام أنه قال: طمعت فيه وطمع فيها فكان طمعه فيها أنه هم أن يحل التكة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حل الهميان وجلس منها مجلس الخائن وعنه أيضًا أنها استلقت له وجلس بين رجليها ينزع ثيابه، ثم إن الواحدي طول في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب، وما ذكر آية يحتج بها ولا حديثًا صحيحًا يعول عليه في تصحيح هذه المقالة، وما أمعن النظر في تلك الكلمات العارية عن الفائدة روي أن يوسف عليه السلام لما قال: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 52] قال له جبريل عليه السلام ولا حين هممت يا يوسف فقال يوسف عند ذلك: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى} [يوسف: 53] ثم قال والذين أثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا أعرف بحقوق الأنبياء عليهم السلام وارتفاع منازلهم عند الله تعالى من الذين نفوا لهم عنه، فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب.
والقول الثاني: أن يوسف عليه السلام كان بريئًا عن العمل الباطل، والهم المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين، وبه نقول وعنه نذب.
واعلم أن الدلائل الدالة على وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام كثيرة، ولقد استقصيناها في سورة البقرة في قصة آدم عليه السلام فلا نعيدها إلا أنا نزيد هاهنا وجوهًا:
ومنها: قوله عليه السلام في أول الأمر: {مَعَاذَ اللَّهِ}
أيتصور أن يضعف أمام الشهوة ولا يفى بما قطعه على نفسه وينسى اللجوء إلى الله، حاشاه أن يفعل وهو الذي قال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} وكان بإمكانه أن يسأل الله تعالى المعافاة.
وأترك المجال لسادتنا المفسرين لدحض ما ذكر من إسرائيليات وأساطير لاتليق بآحاد المتقين فكيف بنبى كيوسف عليه السلام الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- صلى الله وسلم وبارك عليهم وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلمـ والله أعلم وأحكم.